تمهيد
من المعروف لدى المسلمين بالتواتر: أن أول ما نزل من الوحي الإلهي على قلب محمد صلى الله عليه وسلم هو: الآيات الأولى من سورة العلق التي لقنها أمين الوحي، والرسول الملكي جبريل عليه السلام، إلى الرسول البشري محمد عليه الصلاة والسلام في أول لقاء بينهما عند غار حراء.
كانت هذه الآيات هي قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم).
كان لأولية نزول هذه الآيات الكريمة دلالتها وإيحاؤها، فهي توحي بفضل العلم وتقديمه على غيره، فبه تبدأ الأمور، وتفتتح الأعمال، فقد أمرت الآيات بالقراءة مرتين: (اقرأ باسم ربك)، (اقرأ وربك الأكرم) والقراءة هي باب العلم ومفتاحه.
وقد نزل بعد ذلك قوله تعالى: (يا أيها المدثر، قم فأنذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر، والرجز فاهجر، ولا تمنن تستكثر، ولربك فاصبر).
فجاءت هذه الآيات آمرة بالعمل، سواء أكان عملا متعلقا بالناس: (قم فأنذر)، أم بالرب تعالى: (وربك فكبر)، أم بالنفس: (وثيابك فطهر)، وسواء أكان عملا متعلقا بالفعل كالأشياء المذكورة أم بالترك، مثل (والرجز فاهجر)، والمراد: سبب الرجز ـ وهو العذاب ـ والمراد: هجر المعصية، وكذلك (ولا تمنن تستكثر) ثم سياج ذلك كله، وهو الصبر لله تعالى: (ولربك فاصبر).
وبهذا فهمنا من القرآن: أن العلم مقدم على العمل، لأنه هو الذي يصحح العمل، ويرشد إلى شروطه وأركانه، ولهذا قيل: "العلم بغير عمل جنون، والعمل بدون علم لا يكون".
ولكننا نلاحظ أن القراءة التي أمر بها القرآن في آياته الأولى ليست مجرد قراءة، إنما هي قراءة باسم الله، باسم ربنا الخالق، ومعنى أنها باسمه سبحانه: أنها بإذنه وبأمره، وأنها موجهة إليه، موصولة به، فليست باسم صنم يعبد، ولا طاغوت يطاع، ولا بشر يعظم من دون الله، فهي قراءة مؤمنة بالله، خالصة له، مقيدة بأحكامه.
وهذا يوحي: أن العلم في الإسلام إنما هو علم في حضانة الإيمان، فالعلاقة بينهما علاقة التواصل والتلاحم، لا التقاطع والتنافر، علاقة التكامل، لا علاقة التعارض، وهذا ما سيظهر بجلاء في الصحائف التالية: أن العلم دليل الإيمان، كما أنه إمام العمل، والعمل تابعه.
لا عجب أن نبدأ ـ "العلم" في هذه السلسلة اهتداء بالقرآن العزيز، واقتداء بما فعله الإمام أبو حامد الغزالي، في كتابيه "الإحياء" و"المنهاج"، فقد بدأ كلا منهما بـ "العلم"، وحتى تكون دعوتنا إلى الله دعوة على بصيرة وبينة، كما قال الله عز وجل: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله، على بصيرة أنا ومن اتبعني، وسبحان الله وما أنزل من المشركين).
ونختم هذا التمهيد بهذا الدعاء المأثور:
"اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما. نحمدك اللهم على كل حال، ونعوذ بك من حال أهل النار".
رابط التحميل
http://up1.m5zn.com/download-2009-1-31-07-e1dpt23jf.zip
رابط ثاني
http://www.fileflyer.com/view/6dz6pAE